تعرف على تأثير الزلازل على المباني
حتى يتمكن المبنى من الصمود في وجه القوى الهائلة الناجمة عن الزلازل، يتعين عليه امتصاص أكبر قدر ممكن من الطاقة الزلزالية. ويقول أحد الخبراء في هذا الشأن: “لا ينهار المبنى إذا ما كان بمقدوره امتصاص كل الطاقة التي يوّلدها الزلزال”.
ويحدث ذلك في الأساس من خلال ما يُطلق عليه عملية “العزل الزلزالي”، التي يتم فيها وضع المباني والهياكل الإنشائية على حوامل أو أسطح تتحمل الصدمات أو تمتصها، وفي بعض الأحيان تتسم مثل هذه الأسطح ببساطة التكوين، كونها مجرد كتلٍ من المطاط يتراوح سمكها ما بين 30 إلى 50 سنتيمتراً تقريباً، وذلك بهدف تحمل الهزات الناجمة عن الزلزال ومقاومتها.
وأثمرت أيضاً جُهود الخُبراء والمُهندسين في إيجاد عدد من الوسائل التي تجعل المباني أكثر مقاومة للزلازل، ولعل الوسيلة الاكثر إتباعاً هي تثبيت حشوات عملاقة مُكونة من المعدن والمطاط أسفل المباني وتثبيت أسطوانات هيدروليكية تزيد من مرونة المباني وتمكنها من الاهتزاز مع الموجات الزلزالية الأمر الذي يعمل على تشتيت هذه الموجات وإضعافها.
وبعد تعرض اليابان التي تفخر بتطبيقها لمعايير هندسية مقاومة للزلازل لصدمة شديدة حين انهارت طرق سريعة خرسانية مرفوعة على أعمدة وبنايات بمدينة كوبي الغربية عام 1995 بسبب زلزال بلغت شدته 7.3 درجة أودى بحياة أكثر من 6400 شخص، عملت شركة كاجيما كورب للإنشاءات على تطوير خرسانة تحوي ألياف كيميائية بسمك شعر الانسان -يشيع استخدامها في تصنيع اطارات السيارات- تزيد من تماسك الخرسانة وتحد من اتساع مدى الصدوع،حيث استغرق تطويرها عشرة أعوام، تعزز هذه الألياف من تماسك الخرسانة وتجعلها تتحمل ضغطاً أكبر بعد تصدعها إذ إنها تتمدد مئة مرة أكثر من الخرسانة العادية وهو الأمر الذي يجعل الأبنية أشد قوة إذا ما تعرض للزلزال.
التصميم المقاوم للزلازل:
تكمن أهمية اعتماد مواصفات البناء الإنشائي المقاوم للزلازل من عدة أسباب أهمها:
- التحليل الإحصائي للسجلات الزلزالية التاريخية والحديثة.
- معرفة الطبيعة الجيولوجية والزلزالية للموقع وتحديد مواقع الصدوع النشطة وقيم الشدة الزلزالية.
- طبيعة التربة وخواصها الديناميكية: حيث تتسبب الموجات الزلزالية بتمييع التربة (Liquefaction) وحصول الانهيارات الأرضية.
- دراسة ونمذجة الخواص الديناميكية والاهتزازية للمنشأ: حيث يحسب زمن وطور الترددات الزلزالية المتوقعة وطبيعة التوهين الموجي.
- طبيعة المنشأ المطلوب إقامته والعمر الاقتصادي له.
- إجراء الدراسات على حالات الانهيار الإنشائي الناجم عن الزلازل.
يعتمد نجاح التصميم الهندسي المقاوم للزلازل على دقة تنفيذ تفاصيل التصميم والتأكد من تحقيق الحد الأدنى من المواصفات الموصى بها اعتماداً على نوع العنصر البنائي ونوع المادة الإنشائية المستخدمة، حيث ينجم عن الاهتزازات الزلزالية قوى أفقية وأخرى رأسية ولكن في أغلب الأحيان لا تؤخذ هذه القوى الرأسية في الحسبان أثناء التصميم الإنشائي لأن متانة المباني (Structural Stiffness) في الاتجاه الرأسي تكون دائماً أضعاف المتانة في الاتجاه الأفقي، لهذا تعتبر القوى الناجمة عن الحركة الأفقية هي القوى الأكبر ضرراً على المبنى وينتج عنها تغيرات غير مرنة (Inelastic Deformations) في الشكل الهندسي لمكونات الهيكل الإنشائي.
ويمكن الاستفادة من خاصية التغيرات غير المرنة في امتصاص الطاقة الناجمة عن الهزة الزلزالية. إن كثافة قوانين تصميم البناء المقاوم للزلازل تتطلب أن يصمم المبنى بمواصفات معينة بحيث يمتلك قدراً كافياً من خاصية امتصاص الطاقة، وتدعى هذه الخاصية بالمرونة (Ductility) ويمكن تعريفها بأنها قدرة الهيكل البنائي على امتصاص الطاقة الزلزالية من خلال التغيرات غير المرنة في العناصر الإنشائية دون أن تفقد هذه العناصر قدرتها على تحمل القوى التي تصل إليها لاحقاً.
و يمكن تبسيط مفهوم التصميم المقاوم للزلازل بأنه التصميم الذي يكفل الحماية من الإصابات والخسائر في الأرواح و يحقق أقل ضرر بالممتلكات و استمرارية عمل خدمات المرافق الحيوية و ذلك بتكلفة اقتصادية مقبولة.
متطلبات تصميم عناصر المبنى المقاوم للزلازل:
-الأساسات:
تعتبر الأساسات هي العنصر الأهم في أي منشأة، وهذا يتطلب إعطاؤها أهمية خاصة و تصميمها لمقاومة الزلازل.
إن العديد من الانهيارات ناتجة عن مشاكل في الأساسات، فقلة عمق التأسيس تزيد من احتمال انقلاب المنشأة أو انزلاقها، كما أن قلة الروابط بين القواعد تزيد من خطر الهبوط الناتج عن هبوط التربة أو تميعها.
عزل الأساسات باستخدام مادة كالمخدات المطاطية التي تقوم بامتصاص الطاقة الناتجة عن الحركة الأفقية أو استخدام نوع من الأجهزة الميكانيكية المزودة بخاصية تخميد الهزات.
-العناصر الإنشائية:
يجب أن يكون المسقط الأفقي للمبنى متماثلاً قدر الإمكان، وأن يكون المبنى مزوداً بعناصر إنشائية مقاومة للقوى الأفقية مثل الإطارات أو الجدران.
-العناصر غير الإنشائية:
جدران البلوك غير الحاملة والقواطع الداخلية، يجب أن تكون مربوطة بالأسقف والأرضيات وأن تكون عناصر الجدران المقاومة للزلازل مسلحة.
-كيفية تأثير الزلازل على المنشآت الخرسانية:
تتكون الخرسانة المسلحة من مادتين أساسيتين وهي الخلطة البيتونية وقضبان حديد التسليح، تتكون الخلطة البيتونية من اسمنت ورمل وحصويات (Aggregate )مع كمية مناسبة من الماء.
تتكون المنشآت الخرسانية من عناصر أفقية (جوائز وبلاطات) وعناصر شاقولية (أعمدة وجدران خرسانية)، تشكل الأعمدة المسلحة المرتبطة بالجوائز الإطار الخرساني والذي يساهم في مقاومة قوى الزلازل.
الهزات الزلزالية تولد قوى مؤثرة على المبنى متناسبة مع كتلة المبنى نفسه، وبما أن غالبية كتلة المبنى متركزة في البلاطات فإن القوى الناتجة من الزلزال تؤثر بشكل أساسي على منسوب البلاطات وهذه القوى تنتقل خلال الجدران ثم إلى الأساسات ومنها تنتشر إلى الأرض، وعندما تتجمع القوى الزلزالية إلى الأسفل من أعلى المنشأ فإن الأعمدة والجدران الخرسانية في الطوابق السفلى تتعرض إلى أعلى قوة زلزالية ولهذا السبب يتم تصميمها لتتحمل بطريقة أفضل وأقوى من العناصر العلوية.
– وظائف بلاطات الأسقف وجدران المباني
بلاطات الأسقف هي صفائح أفقية تعمل على تمكين عملية استخدام وظائف المبنى، وعندما تنثني الجوائز في الاتجاه الرأسي خلال حدوث الزلزال فإن هذه البلاطات تنحني أيضا معها. وعندما تتحرك الجوائز تتحرك الأعمدة أيضاً في الاتجاه الافقي وبنفس الوقت تتحرك معها القوى في الجوائز والبلاطات معاً.
وعندما يتم صب الأعمدة والجدران والبلاطات في المنشآت الخرسانية وتأخذ صلابتها وقوتها، يتم تنفيذ جدران البلوك في الفراغات ما بين الأعمدة والبلاطات وذلك لتقسيم المبنى حسب وظائفه واستخداماته. تكون هذه الجدران غير مرتبطة بالعناصر الإنشائية المحيطة. فعندما تستقبل الأعمدة قوى أفقية عند منسوب البلاطات، تحاول الأعمدة الحركة في الاتجاه الأفقي ولكن هذه الجدران تعمل على مقاومة هذه الحركة، ونظراً لوزنها الثقيل وسماكتها، فإن هذه الجدران تجذب قوى أفقية أكبر. فتنشأ فيها تشققات بمجرد أن تصل قدرة تحملها إلى الحد الأقصى. ولهذا فإن هذه الجدران هي الصمامات التي يتم التضحية بها في المباني وتنشأ فيها التشققات تحت تأثير الهزات الأرضية العنيفة ولكنها تساعد في تحمل احمال الجوائز والأعمدة حتى تتشقق.
ومما يعزز الأداء الزلزالي لهذه الجدران استخدام مونة اسمنتية أقوى، وعملية بناء بشكل مناسب وتعبئة الفراغات بين الجدران والعناصر الخرسانية.
اختلاف تأثيرات الزلزال الافقية:
الأحمال الشاقولية (الوزن الذاتي) على المنشأ يمكن أن تتسبب في انثناء الإطارات الخرسانية وتنتج عنه استطالة او قصور في عدة أماكن، تنشأ قوى شد في السطح الذي يحدث له استطالة أما قوى الضغط تنشأ في السطح الذي يحدث له قصور. تحت تأثير الأحمال الشاقولية فإن قوى الشد في الجوائز تنشأ في الألياف السفلية له وكذلك في الأعلى عند الأعمدة. ولكن في المقابل فإن قوى الزلزال ممكن أن تسبب اجهادات شد في الجوائز أو الأعمدة بعدة مواضع وبشكل مختلف عن الأحمال الشاقولية.
تولد العزوم على الإطارات الخرسانية و هذا يعتمد على قوة الهزات الأرضية، لذلك فإنه يمكن حدوث شد في الألياف السفلية والعلوية للجائز خلال الزلازل العنيفة. وهذا ما يجعل تسليح الجائز بطريقة مناسبة مهم طالما أن الخرسانة لا تقوى على مقاومة الشد المتولد من العزوم، وهذا أيضاً ينطبق على الأعمدة.
لكي تبقى المنشآت آمنة خلال حدوث الزلازل والهزات الأرضية، لا بد أن تكون الأعمدة أقوى من الجوائز، والأساسات أقوى من الأعمدة. وعند تطبيق هذه الاستراتيجية في تصميم المنشآت فإن حدوث الأضرار خلال الزلزال ستحدث للجوائز أولاً، وعندما يتم تسليح الجوائز وفقاً لتصميم دقيق فإنها ستكون ذات مقاومة أعلى. ولهذا فإن المنشأ ككل يمكن ان يتشوه بشكل كبير رغم الضرر التدريجي الناتج من انهيار الجوائز. ولكن بالمقابل فإن الأعمدة لو كانت أضعف، فإنها ستعاني من أضرار محلية عنيفة، في الأعلى والأسفل لطابق محدد، وهذا الضرر المحلي يمكن أن يقود إلى انهيار المنشأ ككل، بالرغم من أن الأعمدة في الأعلى لم تتضرر تقريباً.
إن أهم ما يميز فريق مهندسين إعماركو هو وجود فريق هندسي انشائي متخصص في تصميم ونمذجة المنشآت الخرسانية المسلحة على أحدث البرامج الهندسية و الكودات العالمية لضمان أمن وسلامة المنشآت.