سبب كارثة زلزال سوريا وتركيا وكيف تعايشت اليابان مع الزلازل

وقت وقوع الكارثة يمكن للناس أن يشعروا بالندم ولكن من المستحيل أن تعفو الأبنية عن الأخطاء البشرية التي تحدث في عملية إعمارها، وبالتالي تتحول فورا إلى قبور لنا هذا ما قاله خبير الزلازل الياباني يوشينوري موكوفوري بعد الزلزال المدمر الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا وأودى بحياة أكثر من 40ألف ضحية ومئات آلاف الجرحى عدا المفقودين تحت الأنقاض.

وصرّح في مقابلة له على محطة تركيّة قائلاً:

“هذا الزلزال يعتبر الأشد قوة منذ زلزال عام 1939م، وأقرب إلى سطح الأرض على عمق 7.14 كيلومتر، كما أنه وقع في نفس اليوم وكان على شكل هزتين عظيمتين بنفس الشدة تقريبا، أما الذي حدث عام 1939م كان على عمق 30 كيلومترا تحت سطح الأرض. ومع اجتماع عاملي الشدة والقرب لسطح الأرض، بالطبع ستكون الخسائر كبيرة جداً، ولكن في نفس الوقت شاهدنا على وسائل التلفزة بعض الأبنية على سبيل المثال لم يسقط فيها أي طابق على الأرض”

وأضاف:
نقطة حساسة جداً ومعيارية، وهي أن المهندس المعماري بالقدر الذي يتقن فيه بناء المبنى يكون المبنى قادر على تحمل أشد أنواع الكوارث الطبيعية، وهذا هو الحال عندنا في اليابان ولكن في تركيا الوضع مختلف تماما -ويؤسفني أن اقول هذا- الذي يبني الأبنية عندكم هم المقاولون وليس المهندسون وهذا خطأ فادح للغاية، عندنا في اليابان يشترك ثلاثة أشخاص في إنشاء المباني، المهندس المعماري والمهندس المدني والمقاول الذي يكون له الدور الأقل أهمية، ولكن في تركيا العكس، دعيني أقول لك أنه حتى الجزار يمكنه أن يبني مبنى، ولكن هل سيبنيه وفق الأسس والحسابات الصحيحة؟، هل يمكنه أن يحمي خمسمئة أو ألف إنسان سيعيش في هذا السكن؟، إن أي خطأ ولو بسيط يمكن أن يرتكبه المهندس المعماري أو المدني سيكون ثمنه أرواح المئات بل الآلاف من البشر

النقطة الثانية: أنتم عندكم من يريد أن يدرس الهندسة المعمارية أو المدنية، يدرس أربع سنوات، ومن ثم مباشرة ترفدونه لسوق العمل دون تأهيل أو تدريب، يعني ليس كل من يتخرج من الهندسة المعمارية يصبح مهندس لكن في تركيا يصبح مهندسا ويمضي عقد التوظيف مباشرة بعد التخرج، لكن عندنا في اليابان هذا الشيء غير موجود، فلا يعني شيئا أنه درس أربع سنوات أو خمسة، فمن بين كل 100 خريج هندسة عندنا نختار 5 أو 7 فقط ليصبحوا مهندسين معماريين. وذلك بعد إخضاعهم للتجارب العملية اللازمة ليكتسبوا الخبرة على أرض الواقع بعد التخرج. مثل الأطباء -الطبيب بعد تخرجه

يدخل مرحلة أخرى وهي التدريب العملي وهذه تستغرق سنوات أيضاً- الطبيب لو أخطأ أثناء العملية سيؤدي ذلك إلى موت شخص واحد، لكن المهندس لو أخطأ سيموت المئات بل الآلاف”…

وختم المقابلة بقوله:

“أيضاً هناك موضوع مهم وهو أن المهندسين الحاصلين على المركز الثاني بعد اختيارهم وخضوعهم لاختبارات صعبة، يُسمح لهم بإنشاء المباني الصغيرة فقط وهذا عندنا في اليابان، مثل النوادي وغيرها، أما البنايات الشاهقة وناطحات السحاب وغيرها لا يسمح لهم أبدا بإنشائها مدى الحياة”.

ومن هذه المقابلة ومن خلال الاطلاع على تجربة اليابان في حماية أرواح ملايين اليابانيين من الزلازل التي تشهدها اليابان سنوياً (2000 زلزال تقريباً) بدرجات متفاوتة، ولأن حياة الإنسان ليست لعبة لتُرهق في بضع ثوان، ولتجنب تدمير آلاف المنازل ثم تخصيص ميزانية تقدر بالمليارات، أصدرت اليابان معايير صارمة للغاية في البناء وهي:
قانون تايشين: هو الحد الأدنى لسماكات الجدران والأعمدة والعناصر الإنشائية في المباني لمقاومة الزلازل.
قانون سيشن: هو اشتراطات المباني العالية من استخدام مخمّدات، وطبقات الخرائط المطاطية السميكة التي توضع أسفل الأساسات، لامتصاص أكبر قدر من طاقة الزلزال.
قانون منشين: هو معايير بناء هيكل المبنى بشكل معزول عن الأرض، عن طريق طبقات من الرصاص والفولاذ والمطاط تتحرك بشكل مستقل مع الأرض عند حدوث الزلزال. وهي التقنية الأكثر تقدماً والأعلى تكلفة.

من أهم تقنيات تشييد المباني المقاومة للزلازل وضع نوع من المخمدات الزيتية داخل الخرسانات، وبينها أعمدة وعوارض مملوءة بزيوت السيليكون، فعندما تضرب الهزة الأرضية هياكل المبنى تنتقل الصدمات إلى مكابس الوسائد فيتم تحويل الطاقة الاهتزازية إلى حرارة لتبديد قوة الاهتزازات، وعادة ما يتم تركيب هذه الكرات في المباني الشاهقة لموازنة الصدمات الاهتزازية.

20181106084345328

ومن تقنيات المباني لمقاومة الزلازل أيضاً:

1.عزل الأساسات:
استخدام قواعد مطّاطية بسماكات محددة أسفل الأساسات، تتمتع بمرونة ولدونة قادرة على امتصاص وإخماد طاقة الزلازل. 
ومن أشهر المباني المبنية بهذه الطريقة مبنى الكابيتول في ولاية يوتاه.

 

2.مثبط كتلي:
وهي عبارة عن كتلة ثقيلة متأرجحة مصنوعة من الصلب تعمل كبندول مركزي يتأرجح عكس الانحناء لعكس التأثير الذي يسببه الزلزال.
ومن أشهر المباني المبنية بهذه الطريقة مبنى (تايبيه 101) في تايوان، بالإضافة إلى برج خليفة في الإمارات العربية المتحدة.

Damper of Taipei 101 Skyscraper

3.جسر مركزي:
يتم ربط مبنيين عاليين بجسر منزلق مصمم لامتصاص الصدمات وللانزلاق داخل وخارج المبنى،
مثل برج “بتروناس” التوأم في ماليزيا الذي أنجز عام 1999م، وهو أطول برج توأم في العالم بارتفاع 452 متر.

b01dfe54 c371 40da ba4c b9fb6a216187

4.التهديم المحسوب:
تصميم المباني لتنهار بشكل محسوب، لتبديد الطاقة الناتجة عن الزلزال من خلال الأضرار، بهدف الحفاظ على الأرواح، لكن المبنى سيصبح عديم الفائدة.
مثل معظم المباني في الولايات المتحدة الأمريكية.

5.استخدام مواد لينة:
يتم استخدام مواد عالية اللدونة لامتصاص كميات كبيرة من الطاقة بدون أن تتحطم، مثل الفولاذ المعدل والخرسانة المسلحة بالألياف، في إندونيسيا مثلاً يتم بناء منشآت مقاومة للزلازل بالكامل تقريباً من الخيزران.

1663679092 adakah buluh bahan pembinaan selamat dalam bencana alam
is bamboo a safe construction material in natural disasters like

وعملت شركة كاجيما كورب للإنشاءات على تطوير خرسانة تحوي ألياف كيميائية بسمك شعر الانسان -يشيع استخدامها في تصنيع اطارات السيارات- تزيد من تماسك الخرسانة وتحول دون اتساع مدى الصدوع، استغرق تطويرها عشرة أعوام، تعزز هذه الألياف من تماسك الخرسانة وتجعلها تتحمل ضغطاً أكبر بعد تصدعها إذ إنها تتمدد مئة مرة أكثر من الخرسانة العادية وهو الأمر الذي يجعل الأبنية أشد قوة إذا ما تعرض للزلزال.

 ومن هنا نستطيع أن نعرف كيف تعايشت اليابان مع الزلازل، وأصبحت من أكثر البلدان الآمنة في العالم وشهرةً بناطحات السحاب التي تتمايل مع الزلازل وتستطيع امتصاص قوته بانسيابية دون أن يسبب الزلزال أي تأثير على الأرواح أو المنشآت.

حيث في عام 2011م عندما ضرب اليابان زلزال بقوة 9 درجات على مقياس ريختر، لم تتأثر الدولة تقريباً، بل كان 27 قطاراً عالي السرعة من طراز شينكانسن قيد الخدمة، وكأن شيئاً لم يكن.

وفي عام 2018م تعرضت مدينة أوساكا، ثاني أكبر مدن اليابان إلى زلزال بقوة 6.1 درجات على مقياس ريختر، لكنها نجحت في إظهار تميّزها التكنولوجي ولم يتجاوز عدد القتلى 3 والجرحى 200، علماً أن هذا الزلزال كان يمكن أن يتسبب في مأساة أكبر بكثير لو حصل في أي جزء آخر من العالم. 

يقدر حجم الأضرار الناجمة عن زلزال تركيا وسوريا حتى الآن حوالي 25 مليار دولار ناهيك عن القتلى والجرحى، وذلك نتيجة إهمال دراسة المباني لمقاومة الزلازل وفي حال دراستها لأخذ الموافقات وفق اشتراطات البلديات نفتقر للضمير الإنساني في التنفيذ وإهمال الرقابة على التنفيذ من قبل البلديات والمسؤولين عن ذلك… ولكن إلى متى؟!

نحن في شركة إعماركو EMAARCO  نتطلع لمستقبل آمن وإعادة إعمار ضمن معايير الأمن والسلامة والاستدامة، ونأمل تحسين رؤية  المالكين و اعتماد معايير  عالمية في  التصميم و التنفيذ و الإشراف  من قبل مهندسين مختصين والابتعاد عن ظاهرة شجع بعض المقاولين لتنفيذ المشاريع دون الرجوع لمهندسين.

المراجع:

https://n9.cl/kwfot
https://n9.cl/2bt44